لم يكن التوقيت صدفة؛ كانت هذه الوثيقة بمثابة تمرد ضد مركزية الأنظمة المالية التقليدية. صاحبها، الذي عُرف باسم مستعار “ساتوشي ناكاموتو”، قدم رؤية جذرية: عملة رقمية لا تخضع لسيطرة الحكومات أو البنوك، بل تُدار بالكامل عبر شبكة لامركزية مدعومة بتقنية البلوكشين.
الفكرة تصبح واقعًا
في 3 يناير 2009، تم تعدين أول كتلة بيتكوين، عُرفت باسم “Genesis Block”، وكانت أشبه بحجر الأساس لمعبد اقتصادي جديد.
في البداية، لم تكن للبيتكوين أي قيمة حقيقية، لكن حدثًا بسيطًا في عام 2010 غيّر النظرة إليها إلى الأبد: اشترى أحد المبرمجين بيتزا مقابل 10,000 بيتكوين.
لم تكن هذه مجرد معاملة عادية، بل كانت إعلانًا بأن هذه العملة الرقمية يمكن أن تُستخدم في الحياة اليومية.
من هامش التقنية إلى قلب الاقتصاد
رغم بدايته المتواضعة، اكتسب البيتكوين زخمًا سريعًا. ففي 2011، ظهرت بورصات مثل “Mt. Gox” التي ساعدت في تحويل البيتكوين إلى أصل مالي حقيقي يمكن تداوله بسهولة.
ومع ذلك، كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، إذ استُخدم البيتكوين في أسواق سوداء مثل “Silk Road”، ما أكسبه سمعة مشبوهة وجعل الحكومات تنظر إليه بعين الريبة.
وبحلول عام 2017، كان البيتكوين قد تخطى هذه العقبات ليصل إلى ذروته الأولى، إذ تجاوزت قيمته 19,000 دولار.
لكن هذا الصعود الصاروخي تبعه انهيار دراماتيكي، أثار تساؤلات حول استقراره، ومع ذلك، استمر البيتكوين في إعادة تعريف نفسه كأصل رقمي يدمج بين التقنية والمال، خاصة مع دخول المؤسسات المالية الكبرى عالم العملات الرقمية.
الجانب التقني والاقتصادي
تقنية البلوكشين، التي تقوم عليها البيتكوين، ليست مجرد دفتر حسابات رقمي، بل ثورة في إدارة البيانات. تتيح هذه التقنية الشفافية، إذ تُسجل كل معاملة في سجل عام غير قابل للتغيير.
من الناحية الاقتصادية، قدم البيتكوين نموذجًا جديدًا للمال قائمًا على الندرة؛ فعدد وحداته محدود بـ21 مليون عملة فقط، ما يجعله أشبه بالذهب الرقمي.
تأثير البيتكوين عالميًا
على مستوى الاقتصادات الناشئة، أصبح البيتكوين وسيلة لمواجهة الأزمات. في دول مثل فنزويلا وتركيا، بينما التضخم يأكل القوة الشرائية للعملة المحلية، لجأ المواطنون إلى البيتكوين كملاذ آمن لحفظ القيمة.
وفي أفريقيا، تجاوزت العملة الرقمية حدود البنوك التقليدية، مما مكن الملايين من الوصول إلى الخدمات المالية دون الحاجة إلى حسابات مصرفية.
أما على الصعيد السياسي، فقد أثارت البيتكوين حركات تحرر مالي عالمي. في دول تخضع لعقوبات اقتصادية، باتت العملات الرقمية وسيلة للالتفاف على الأنظمة المالية الدولية.
لكن هذا الدور السياسي لم يأتِ دون تبعات؛ فقد دفع الحكومات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين إلى تنظيم سوق العملات الرقمية بصرامة خوفًا من فقدان السيطرة.
مستقبل المال أم فقاعة مؤقتة؟
اليوم، يُنظر إلى البيتكوين على أنه أكثر من مجرد عملة؛ هو أداة للتحوط ضد التضخم، ووسيلة لإعادة توزيع القوة الاقتصادية.
ومع دخول دول مثل السلفادور إلى مشهد العملات الرقمية، أصبح واضحًا أن البيتكوين تجاوز كونه فكرة ليصبح لاعبًا في إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي.
رغم الانتقادات المتعلقة بتقلب أسعاره واستهلاكه المفرط للطاقة، تبقى البيتكوين رمزًا للابتكار. قصته ليست فقط عن المال، بل عن الإيمان بقوة الأفكار في تغيير العالم. ما بدأ كتمرد على نظام منهار، أصبح اليوم قوة تُعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي، ولا تزال رحلته مستمرة.
ويعد البتكوين هي عملة افتراضية مشفرة، يتم تداولها عبر الإنترنت ، وليس لها وجود مادي.
وسبق عدد من التقنيات النقدية الرقمية بيتكوين، من أهمها تقنية (ecash) لعالم الرياضيات ديفيد تشوم عام 1987، وهي نقود إلكترونية على أساس بروتوكولات التشفير.
تاريخ البيتكوين
وبين عامي من 1998و2005، أطلقت (وي دي) فكرة التشفير اللامركزية، وقام (نيك زوبير) بتطوير مشروع “bit gold” وهي عملة رقمية على أساس اللامركزية وتعرض هذا النظام لهجوم قوي.
وبدأ ساتوشي ناكاموتو، العمل على مبدأ بتكوين في 2007م في اليابان، وفي عام 2008م تم تسجيل موقع bitc oin.org كنطاق، لتنطلق النسخة الأولى من العملة في يناير 2009.
وبعد ذلك نُشر أول سعر تداول بين البتكوين والدولار وحدد قيمتها عند 1309.03 Bitcoin لكل دولار أمريكي، باستخدام المعادلة التي تتضمن تكاليف الكهرباء لتشغيل الكمبيوتر الذي يصدر وحدات Bitcoin.
لم تجد العملة الرقمية الجديدة الاهتمام في السنوات الأولى وبدأ التعامل معه بطيئاً ومحدوداً، وانحصر التعامل بها بين عدد قليل من الهواة يقومون بعمليات البيع أو الشراء.
بورصة بيتكوين
وفي فبراير 2010م، تأسس سوق بتكوين كبورصة لعملة بيتكوين، وكان أول تعامل عالمي حقيقي باستخدامها عندما تم دفع 10,000 بيتكوين مقابل بيتزا على منتدى بيتكوين، وكان سعر الصرف لشراء البيتزا في ذلك الوقت حوالي 25 دولار أمريكي.
في أكتوبر 2009، تم إنجاز أول صفقة حاسمة أعطت بتكوين قيمة نقدية حقيقية، إذ باع طالب علوم الكمبيوتر الفنلندي مارتي مالي، المعروف باسم سيروس عبر الإنترنت، 5050 عملة مقابل حوالي 414.65 روبية هندية، أي ما يعادل 0.0009 دولار لكل بتكوين.
حقق سعر بتكوين في مايو 2010 قفزة مذهلة، بتجاوزه حاجز 8 دولارات لفترة وجيزة.
وكان يونيو 2011 قد شهد صعود كبيرا لبتكوين إذ ارتفع سعرها ليصل إلى 30 دولارا. قبل أن تسجل رحلة هبوط تدريجي، ليصل إلى أدنى مستوى له في نهاية 2011 عند دولارين، مخلفا شعوراً بالخيبة لدى الكثير من المستثمرين.
في نهاية 2012 كان سعر بتكوين قد استقر عند 13.50 دولار، ومثل ذلك صعود جديد للعملة الرقمية.
في عام 2013. زاد الطلب على العملة، وتم تركيب أول صراف آلي للبتكوين في مدينة فانكوفر، فسهل ذلك على المشترين في تحويل العملات الورقية إلى العملات الرقمية بسهولة، مما ساهم في توسيع قاعدة مستخدمي بتكوين.
في بدايات يناير 2014 كان سعر بيتكوين قد وصل إلى 1000 دولار، قبل أن تنهار قيمتها بشكل كارثي في 21 فبراير إلى 111.60 دولار بانخفاض بلغت نسبته 90%.
ويرجع ذلك إلى هجمات إلكترونية واختراقات أمنية واجهتها البورصة أدت إلى خسارة كبيرة في العملات الرقمية، مما زعزع ثقة المستثمرين في بتكوين.
في نوفمبر 2015، تم اعتماد الرمز الرسمي للعملة الرقمية (B).
نجحت بتكوين في أبريل 2019 في الوصول بسعرها إلى 5 آلاف دولار، ووسط صعود وهبوط أكملت العملة عام 2019 عند 7200 دولار.
في أكتوبر 2020م، كان سعرها قريبا من 20 ألف دولار كنتيجة للسيولة التي وفرها الاحتياطي الفيدرالي في ظل انتشار جائحة كوفيد19 وآمال ظهور لقاح لها. ليصل السعر بنهاية العام عند 28949 دولارا.
في سبتمبر 2021، أعلنت الصين أن جميع معاملات العملات الرقمية غير قانونية، إلا أن العملة لم تلق بالا لتحذيرات الصين وواصلت الارتفاع لتتجاوز الـ60 ألف دولار ، ثم 68789 دولار، وفي 10 نوفمبر 2021. كان بتكوين قد وصلت إلى ذروتها عند أكثر من 64 ألف دولار.
انخفاض السيولة
ومع نية المصرف المركزي الأمريكي خفض الأسعار المرتفعة، مع احتمال انخفاض السيولة في السوق، تأثرت العملات المشفرة والبتكوين، بدءاً من أوائل نوفمبر 2022م.
واستمر هذا الركود في عام 2022، لتحدد بتكوين في منتصفه، نطاق تداول جديدا حول 20 ألف دولار ثم تدحرجت إلى أقل من 16 ألفاً نتيجة لأحداث من أبرزها انهيار منصة “إف تي إكس” – وهي بورصة للعملات المشفرة أعلنت إفلاسها في نوفمبر 2022.
صناديق الاستثمار
في أكتوبر 2023، بدأت بتكوين في الارتفاع مرة أخرى ووصلت إلى أكثر من 42 ألف دولار في نهاية العام، وسط شائعات بأن لجنة الأوراق المالية والبورصات ستسمح أخيراً بإنشاء صناديق الاستثمار المتداولة للبتكوين.
في 11 يناير 2024 بدأ تداول صناديق الاستثمار المتداولة للبتكوين وصل السعر إلى ذروته عند نحو 49 ألف دولار في الأيام التي سبقت الإعلان.
وفي 7 مارس، ارتفع سعر بتكوين بنسبة تصل إلى 6.8 % إلى أعلى مستوى له في الجلسة عند 67645 دولاراً، ليرتفع السعر بالفعل بنسبة 55 %
في 17 ديسمبر 2024 وصل سعر البتكوين الى 106714.33 دولار لتسجل مستوى قياسيا جديدا، مع تفاؤل المستثمرين باحتمالات خفض الفيدرالي أسعار الفائدة هذا الأسبوع.