في مثل هذا اليوم 30 نوفمبر عام 1988 رحل عن عالمنا الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، صاحب الحنجرة الذهبية، والصوت الذي يستمع إليه ملايين الناس في مختلف أنحاء العالم حتى يومنا هذا، الملقب بـ”صوت مكة”.
يُعد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من أعظم قراء القرآن الكريم في تاريخ العالم الإسلامي، فبصوته الملائكي وأدائه الفريد، أسس مدرسة متميزة في تلاوة القرآن الكريم، وأصبح مصدر إلهام لعشاق القرآن في جميع أنحاء العالم، ونخود بكم في هذه السطور عبر ومضة من حياة الشيخ عبد الباسط.
النشأة والبداية
وُلد الشيخ عبد الباسط عام 1927 بقرية المراعزة في مدينة أرمنت بمحافظة قنا، ونشأ في بيئة قرآنية.
كان جده، الشيخ عبد الصمد، وأبوه، الشيخ محمد عبد الصمد، من أبرز حفظة ومجودي القرآن الكريم، كما كان جده لأمه الشيخ أبو داود، صاحب مقام معروف بأرمنت، من العارفين بالله.
التحق عبد الباسط بالكُتّاب في سن السادسة، وتمكن من حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في العاشرة.
شغفه بالقرآن الكريم
كان عبد الباسط يستمع لتلاوات كبار القراء مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ أبو العينين شعيشع، وهو ما ساعده في تطوير موهبته، وعلى الرغم من حداثة سنه، بدأ يُدندن بتلاوة القرآن أثناء الذهاب والإياب، ليصبح لاحقًا قارئًا مشهورًا في صعيد مصر.
البداية الحقيقية: من مسجد السيدة زينب إلى الشهرة
في عام 1950، انتقل الشيخ عبد الباسط إلى القاهرة لزيارة آل البيت، خلال الليلة الختامية لمولد السيدة زينب، ليجد الشيخ فرصة للتلاوة أمام جمهور كبير من محبي القرآن، وحين صعد لتلاوة القرآن، اجتذب صوته الملائكي الحضور، الذين ظلوا يطالبونه بمواصلة القراءة، وبتلك الليلة كانت بداية شهرته الواسعة في مصر وخارجها.
محطة الإذاعة: انطلاقة جديدة
في نهاية عام 1951، تقدم الشيخ عبد الباسط لاختبارات الإذاعة المصرية، واجتازها بتقدير ممتاز، وسرعان ما أصبح أحد أبرز القراء في الإذاعة، وزادت شهرته حتى أن الإذاعة خصصت له موعدًا ثابتًا كل أسبوع، وبفضل صوته، ارتفع الإقبال على شراء أجهزة الراديو في مصر، وأصبح صوته جزءًا من حياة المصريين اليومية.
علاقته بالملوك والرؤساء
نال الشيخ عبد الباسط إعجاب العديد من الملوك والرؤساء حول العالم، كان الملك محمد الخامس من المغرب أحد أبرز محبي صوته، وطلب منه الإقامة الدائمة في المغرب، لكن الشيخ اعتذر بلطافة.
كذلك، حظي الشيخ باحترام الرئيس مأمون عبد القيوم، رئيس جزر المالديف، الذي استقبله بحفاوة كبيرة في المطار عام 1987.
الأوسمة والتكريمات
لم يحظَ قارئ قرآن في القرن العشرين بتكريم وحب الجمهور كما حظي الشيخ عبد الباسط، إذ حصل على العديد من الأوسمة من دول مختلفة، منها:
وسام الكفاءة الفكرية المغربي.
وسام الاستحقاق من إندونيسيا.
الوسام الذهبي من باكستان (1958).
وسام الإذاعة المصرية في عيدها الخمسين (1984).
وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في ليلة القدر (1990).
أوسمة من تونس، لبنان، سوريا، والعراق.
تلاوته في المسجد الأقصى
كان الشيخ عبد الباسط يعتز كثيرًا بتلاوته للقرآن من مكان المعراج في المسجد الأقصى، حيث ترك أثرًا عميقًا في نفوس مستمعيه.
وقد نال صوت الشيخ اهتمامًا كبيرًا، حتى أن أحد رجال الدين المسيحيين أعد رسالة دكتوراه عن صوته الملائكي وتأثيره الفريد.
وفاته
بعد حياة امتدت لـ62 عامًا، قضاها الشيخ عبد الباسط في خدمة القرآن الكريم، وافته المنية في 30 نوفمبر 1988، حيث توفي بعد صراع مع التهاب كبدي ومرض السكر، ليترك إرثًا خالدًا من التلاوات التي لا تزال تُلهب مشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وبالإرث الكبير الذي خلفه من آلاف التسجيلات القرآنية بصوته الفريد، والختمات المرتلة والمجودة، يبقى الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رمزًا خالدًا في عالم التلاوة، حيث أسس مدرسة فنية تميزت بجمال الصوت، والإحساس العميق، والإبداع في الأداء، وتظل تلاواته مصدر إلهام للأجيال القادمة، ورمزًا من رموز التلاوة في العالم الإسلامي.
فرحم الله الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وجزاه خير الجزاء على ما قدم للقرآن وأهله.