من سايكس-بيكو إلى التطبيع: مبعوث أمريكي يعيد رسم حدود المنطقة! “صدى الخبر”

admin19 يوليو 20250 مشاهدةآخر تحديث :
من سايكس-بيكو إلى التطبيع: مبعوث أمريكي يعيد رسم حدود المنطقة! “صدى الخبر”

أدوات الحرب الاستعمارية الغربية المستمرة على الأمة العربية

ففي عام 1789، وجّه نابليون بونابرت رسالة إلى أهل مصر قال فيها حرفيا: من أمير الجيوش الفرنسية إلى كافة أهالي مصر، اعلموا أن الله قدّر في الأزل هلاك أعداء الإسلام وتكسير الصلبان على يديه، وقدّر في الأزل أني أجيء من المغرب إلى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها، وإجراء الأمر الذي أُمرت به. واعلموا أيضاً أن القرآن العظيم صرّح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل، وأشار في آيات أخرى إلى أمور تقع في المستقبل.”

وقت توجيه هذه الرسالة، كانت جيوش نابليون وأسطوله البحري يستعدان للهجوم على مصر واحتلالها، وقتل الآلاف من أهلها بعد مقاومة شرسة من الشعب المصري بقيادة علماء الأزهر الشريف.

وفي عام 1799، وجّه نابليون رسالة أخرى، لكن هذه المرة ليهود العالم كما وصفهم، وقال فيها بالحرف الواحد أيضاً: “إن العناية الإلهية أرسلتني إلى هنا على رأس جيشي هذا، وقد جعلت هذه العناية الإلهية نشر العدل وتحقيقه مطلبي، وتكفّلت بنصري المستمر، وجعلت من القدس مقري العام، وبعد قليل ستجعل مقري في دمشق.”

هاتان الرسالتان، رغم تناقضهما الظاهري، تعبران في الحقيقة عن ظاهرة مهمة وأداة من أدوات الحرب الاستعمارية الغربية المستمرة على بلادنا منذ غزو نابليون لمصر وحتى عهد دونالد ترامب حالياً. وهي ظاهرة تحويل نزوعنا نحن شعوب هذه البلاد إلى سيوف في صدورنا.

تحليل خطير لتصريحات المبعوث الأمريكي توماس براك!

في 11 تموز/يوليو 2025، صرّح المبعوث الأمريكي لسوريا والسفير الأمريكي لدى تركيا والمسؤول عن ملف لبنان في الإدارة الأمريكية، المدعو توم براك، بأن لبنان يواجه خطراً وجودياً. وذكر أن لبنان سيواجه هذا الخطر في حال لم يلتقط الفرصة التاريخية، التي تتمثل في مسار التطبيع مع “إسرائيل” بعد تسليم سلاح حزب الله. وأضاف أن هناك احتمالاً جدياً، في حال فشل لبنان في التقاط اللحظة التاريخية، أن يعود لبنان إلى بلاد الشام من جديد. هذه كانت كلمات توم باراك الحرفية.

لم يكن هذا التصريح الأول من نوعه. ففي 26 أيار/مايو 2025، وبعد خضوع أبو محمد الجولاني (المعروف أيضاً باسم أحمد الشرع) لكافة الشروط الأمريكية، والتي سُمح له بعدها بلقاء الرئيس دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، صرّح باراك نفسه أن اتفاقية سايكس-بيكو، وهي الاتفاق الذي تم بين البريطانيين والفرنسيين على تقسيم المشرق العربي بينهما قبل سقوط السلطنة العثمانية، وقد طُبق مع بعض التعديلات بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، قد “قسّمت سوريا لأهداف استعمارية”. وقال إن السلام الحقيقي ممكن بتجاوز ما سمّاه “الحدود الوهمية”.

شاهد أيضا… الاشتباكات في السويداء.. تكشف مشاريع اسرائيلية في المنطقة

تصريح عودة لبنان إلى بلاد الشام!

تصريح عن عودة لبنان إلى بلاد الشام ونقد جوهري لحدود سايكس-بيكو الوهمية – هذا الكلام يمكن أن نتوقع سماعه من شخصية تنتمي إلى مجموعة مناهضة للاستعمار، مثل مسؤول في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يؤمن بوحدة سوريا الكبرى. لكن من المؤكد أننا لا نتوقع سماعه من مبعوث إمبراطورية الهيمنة والاستعمار في بلادنا.

إلا أن هذا الأمر، رغم وقاحته، ليس غريباً. إنه مظهر من مظاهر سياسة استعمارية قديمة يمكن تعريفها بسياسة “تحويل دروع الأعداء إلى سيوف في صدورهم”. وفي هذه الحالة، نحن أعداء الاستعمار بشكل عام. إن مواجهة الاستعمار عند أي شعب أو أمة تستند إلى مكونات الهوية الأصلية لهذه الأمة.

تحذير من خطر تصدير مفاهيم الهيمنة عبر خطاب يبدو تحررياً

هذا الأمر بديهي لأن الاستعمار في جوهره هو حرب تهدف إلى إخضاع الشعوب أو الأمم وقيادتها نحو الفناء أو الاستعباد من خلال كسر إرادتها ومحو هويتها أو تزييفها. ولهذا السبب تقاوم الأمم مستندة إلى مكونات هويتها، وتقاوم باستخدام أدواتها المعرفية لتشكيل دروع تحمي من خلالها هويتها ووجودها، وتؤسس منها أدوات مناهضة للاستعمار.

تتطور هذه الدروع مع الوقت لتشكّل طروحات سياسية واجتماعية قادرة على تحشيد الجماهير للدفاع عن الأمة والابتعاد عن خيار الاستسلام. هذه الطروحات هي التي نقرؤها ونسمعها على هيئة نظريات سياسية حول الهوية والمجتمع وقيمه وأهدافه وموقفه من الحرب الاستعمارية. كل هذه العناصر تجتمع ضمن النظرية لتقدّم تعريفاً للأمة أو الشعب، مما يشكّل الدرع الذي تتحصّن خلفه الحركة السياسية الميدانية لحماية الهوية ورفع الظلم ودحر الاستعمار.

في تاريخنا العربي والإسلامي، تتنوع النظريات السياسية التي تحرك المشهد السياسي، والتي تتأثر بدورها بالمتغيرات السياسية العالمية والإقليمية والمحلية. في هذه الحلقة، سنتناول مسألتين أساسيتين: الأولى هي ضرورة التعامل مع تصريحات الموفد الرئاسي الأمريكي بجدية بالغة، والثانية هي النظريات السياسية التي شكّلت ولا تزال تشكّل دروعاً لحماية مشروع التصدي للاستعمار – تلك الدروع التي تجتهد منظومة الهيمنة لتحويلها إلى سيوف قاتلة في صدور أصحابها.

صرّح المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا وسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى تركيا، رجل الأعمال توماس باراك، بأن لبنان يواجه تهديداً لوجوده، وأنه إذا لم يتحرك فقد يعود لبنان إلى بلاد الشام مرة أخرى. هذا التصريح لم يكن زلة لسان ولم يُفهم بطريقة خاطئة. قال باراك حرفياً: “لديك إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن لديك سوريا التي تتبلور بسرعة كبيرة لدرجة أنه إذا لم يتحرك لبنان فسيصبح مرة أخرى جزءاً من بلاد الشام. السوريون يقولون إن لبنان هو منتجعنا الساحلي، لذلك نحن بحاجة للتحرك. وأنا أعرف مدى إحباط الشعب اللبناني، وهذا يقلقني.”

كون حديث باراك يأتي في إطار رفع درجة الضغوط على الدولة اللبنانية لا يعني أنه مجرد تهديد وتخويف بلا أساس. بل العكس، كلام باراك خطير وجدي، وليس مستبعداً إطلاقاً أن يتحقق في حال لم تتم مواجهته.

لماذا نقول ذلك؟ لسببين رئيسيين: السبب الأول هو ببساطة أن هذا الكلام صادر عن موفد رئاسي أمريكي، أي عن دولة قرر رئيسها الحالي دونالد ترامب في ولايته الأولى تغيير حدود سوريا وحدود ما يسمى إسرائيل من خلال منح الاعتراف بسيادة إسرائيل على أراضي الجولان السوري المحتل، رغم أن العالم أجمع والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي يعتبرون الجولان أرضاً سورية تحتلها إسرائيل.

دعوة لليقظة السياسية والفكرية:

نتحدث إذن عن دولة هي الولايات المتحدة الأمريكية، ليس لديها أي مشكلة في تعديل حدود الدول وتغيير الخرائط ببساطة بجرة قلم. الرئيس الأمريكي حرّك حدود سوريا شمالاً ومنح مساحة إضافية، بطبيعة الحال ليس لفلسطين المحتلة بل لكيان الاحتلال الإسرائيلي.

أما السبب الثاني الذي يجعلنا نعتبر كلام باراك خطيراً، فهو أن حدود الدول ليست مقدسة وتغييرها ممكن. لا نتحدث عن تاريخ بعيد، بل عن آخر 35 عاماً من تاريخ العالم. قد نتفاجأ، ليس لأننا لا نعرف، بل لأننا ننسى أن دولاً كبيرة وقوية مثل ألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر، حدودها الحالية لا يتجاوز عمرها 35 عاماً فقط.

في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى”، يتحدث بريجينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، عن أهمية الحدود والجغرافيا بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، ولضمان الموقع الاستراتيجي للولايات المتحدة في مواجهة القوى العظمى الأخرى، وتحديداً روسيا.

صدر الكتاب عام 1997، ولكن يمكن التعامل مع كلام بريجينسكي بصفته وثيقة تاريخية تشرح العقلية التي تحكم السياسة الأمريكية. على سبيل المثال، يشرح بريجينسكي في هذا الكتاب بدقة السياق المحيط بالحرب التي نشهدها منذ عام 2022 بين روسيا وأوكرانيا، رغم أن الكتاب صدر قبل 25 عاماً من اندلاع هذه الحرب.

شاهد أيضا.. نائب لبناني: لبنان عصيّ على الضم والمساومة على سيادته

الأهم من ذلك أن بريجينسكي يتناول في الكتاب أهمية تفكيك روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى تأييده إبعاد أوكرانيا ودول القوقاز وآسيا الوسطى مثل أذربيجان وأوزبكستان عن ما يسميه الغرب “النفوذ الروسي”. يقول بريجينسكي، على سبيل المثال، إن أوكرانيا هي الأهم بين الدول المحيطة بروسيا، ويجب تعزيز وضعها المستقل وتأهيلها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وأوروبا. ذلك أنه بدون أوكرانيا تتوقف روسيا عن كونها إمبراطورية، أما مع ضم أوكرانيا إلى روسيا أو إلى النفوذ الروسي فتعود روسيا تلقائياً إمبراطورية.

يجدر التذكير بأن هذا الكلام صدر عام 1997، عندما كانت روسيا دولة شديدة الضعف. أهمية هذا الأمر أنه يتيح لنا رؤية كيف تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدول وإلى حاجتها إليها، وهذا الأمر لا يقتصر على التحالفات بل يشمل أيضاً تغيير الحدود.

صحيح أن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قال بوضوح عام 2022 إنه لا يمكن محو دولة ذات سيادة عن الخريطة، ولكن كلامه كان موجهاً إلى روسيا حصراً. جاء هذا التصريح تعليقاً على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة ضد قرار روسيا أو توجهها إلى ضم مناطق في أوكرانيا. قال بايدن إن روسيا لا تستطيع تغيير الحدود بالقوة.

لكن كما ذكرنا سابقاً، الولايات المتحدة نفسها، في عهد ترامب الأول، غيرت حدود سوريا بقوة الاحتلال الإسرائيلي من خلال انتزاع الجولان من سوريا وقبول ضمه إلى كيان الاحتلال. بايدن نفسه كانت لديه السلطة للتراجع عن قرار ترامب، لكنه بالعكس حافظ عليه. الشيء نفسه ينطبق على الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لما يُسمى “إسرائيل”.

هذا السلوك يثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على محو دول ذات سيادة عن الخريطة، أو على الأقل تعديل حدودها.

التفاصيل في الفيديو المرفق …

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...سياسة الخصوصية

موافق