في الوقت الذي لطالما اعتُبر فيه الذهب الملاذ الآمن للمستثمرين في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية، يبدو أن هذا المعدن النفيس لم يعد الخيار المفضل لدى العديد من المستثمرين حول العالم. تشير التوجهات الراهنة في الأسواق إلى تراجع الإقبال على شراء الذهب، وسط تصاعد جاذبية بدائل استثمارية أخرى تقدم عوائد أعلى أو مزايا تنافسية أكثر إغراءً. فما هي الأسباب التي دفعت المستثمرين إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم الاستثمارية، وما العوامل التي أضعفت جاذبية الذهب كمخزن للقيمة؟ في هذا التقرير، نستعرض أهم المعطيات التي أسهمت في هذا التحول، مع تحليل عميق للمتغيرات الاقتصادية والسياسية التي تلعب دورًا حاسمًا في إعادة تشكيل خريطة الاستثمارات العالمية.
انخفاض أسعار الذهب وشهية المستثمرين
تراجعت شهية المستثمرين بعدما انخفض سعر الأونصة من الذهب بنحو 3 دولارات ليستقر عند 2632 دولارا، وفق ما ذكرت صحيفة إكسبريس تريبيون الدولية. وانخفضت أسعار الذهب يوم الجمعة حيث انخفض السعر بمقدار 10 دولارات إلى 2635 دولارًا للأوقية بما في ذلك علاوة قدرها 20 دولارًا.
اقرأ أيضاً: الذهب في أسبوع.. انخفاض مفاجئ وعزوف عن الشراء
وعزا عدنان آجار مدير شركة “إينتر آكتيف كوميدتيس” انخفاض السعر إلى بيانات التوظيف القوية في الولايات المتحدة والتي تؤثر عادة على أسعار الذهب.
وأشار أيضًا إلى أن موسم العطلات القادم في الولايات المتحدة يغير أنماط الإنفاق الاستهلاكي.
وقال أجار: “حاليًا، يتوق الناس إلى اغتنام أي فرصة شراء خلال انخفاضات الأسعار”، مضيفًا أن مستوى الدعم الأدنى للذهب هو 2560 دولارًا والذي تم الوصول إليه آخر مرة في نوفمبر 2023.
الذهب ينخفض للأسبوع الثاني
كما قالت منصة إف إكس ستريت الأمريكية بأنه قد أغلقت أسعار الذهب عند 2,633.33 دولار مسجلة انخفاضًا قدره 17.02 دولار أو 0.64% حيث أثرت البيانات الاقتصادية المختلطة وإشارات بنك الاحتياطي الفيدرالي الحذرة على المعنويات.
اقرأ أيضاً: أسعار الذهب تستقر مؤقتاً وصعود الدولار يلقي بظلاله على النفيس
ويمثل هذا الانخفاض الأسبوعي الثاني على التوالي، مما يترك المعدن بين مستويات محورية رئيسية يمكن أن تحدد تحركه الاتجاهي التالي.
مستويات الدعم والمقاومة أمام الذهب
يظل الذهب مستقرًا بالقرب من مناطق الدعم والمقاومة المحورية بين 2663.51 دولارًا و2631.04 دولارًا ومن شأن التحرك المستمر فوق 2663.51 دولارًا أن يفتح الباب أمام زخم صعودي يستهدف 2721.42 دولارًا وربما 2790.17 دولارًا.
وعلى العكس من ذلك، فإن الانخفاض إلى ما دون 2631.04 دولارًا قد يؤدي إلى ضغوط بيع مما قد يدفع الأسعار نحو 2571.68 دولارًا و2533.76 دولارًا.
الذهب وخفض أسعار الفائدة
كشف تقرير الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة عن زيادة قدرها 227 ألف وظيفة في نوفمبر متجاوزًا التوقعات البالغة 200 ألف وظيفة.
ومع ذلك، فإن ضعف نمو الوظائف الخاصة يرسم صورة أكثر حذرًا لسوق العمل.
وبينما لا يزال المتداولون يرون احتمالًا قويًا لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر، فإن التوقعات الاقتصادية الإيجابية لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد بردت الآمال في التيسير النقدي وقد أثر هذا السرد على أداء الذهب.
الذهب يفشل في الصعود بقوة
استمرت التدفقات الخارجة من صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب، مما يشير إلى انخفاض الطلب المؤسسي على الرغم من عدم الاستقرار الجيوسياسي.
ويبدو أن المشاركين في السوق مترددون في الالتزام وينتظرون الوضوح من بيانات التضخم وتوجيهات بنك الاحتياطي الفيدرالي وقد ساهم هذا الحذر في عدم قدرة الذهب على كسر مستويات رئيسية بشكل حاسم.
توقعات التضخم الأمريكي
من المتوقع أن تظهر بيانات مؤشر أسعار المستهلك هذا الأسبوع زيادة سنوية بنسبة 2.7%. وقد يؤدي رقم التضخم الذي يفوق التوقعات إلى تعزيز الدولار الأمريكي وعوائد سندات الخزانة مما يفرض المزيد من الضغوط الهبوطية على الذهب.
ومع ذلك، قد يؤدي انخفاض القراءة إلى تغذية التفاؤل بخفض أسعار الفائدة بشكل إضافي، مما قد يدفع الذهب إلى الارتفاع.
ومع اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي المقرر أيضًا، فمن المرجح أن تؤدي هذه الأحداث إلى إثارة تقلبات كبيرة.
المخاطر السلبية تخيم على المعدن النفيس
لا تزال المشاعر الهبوطية تهيمن على تداولات الذهب حيث يتداول الذهب فوق مستوى الدعم الحرج وقد يؤدي الانخفاض المستمر إلى ما دون مستوى 2,631.04 دولار إلى بدء التحرك نحو مستوى 2,571.68 دولار، مع احتمال حدوث انخفاضات أعمق.
ومع ذلك، قد توفر المفاجآت الحمائمية في تقرير مؤشر أسعار المستهلك أو تعليقات بنك الاحتياطي الفيدرالي فرصة للتعافي، مما يدفع الأسعار إلى العودة إلى مستوى 2,663.51 دولار وما بعده.