عمون – ارتفع الدولار الأمريكي مقابل كل العملات العالمية تقريبًا بين عشية وضحاها مع رد فعل المستثمرين على فوز مرشح الحزب الجمهوري “دونالد ترامب” في الانتخابات الرئاسية باكتساح وسيطرة الجمهوريون على الكونغرس الأمريكي، لقد فوجئ الكثيرون بمدى فوز ترامب وحزبه الجمهوري، خاصة بالنظر إلى استطلاعات الرأي القريبة التي سبقت يوم الانتخابات.
يري أغلب خبراء سوق تداول الفوركس أن وصول “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض يشكل تطوراً إيجابياً للدولار الأمريكي للعديد من الأسباب التي تشمل، تفضيل ترامب لخفض معدلات الضرائب الأميركية، حيث أن المقترحات الخاصة بخفض الضرائب الشاملة في عهد الرئيس ترامب (والتي من المرجح أن تمر في ظل اكتساح الحزب الجمهوري) تعتبر بمثابة داعم للنمو الأمريكي على الأمد القريب والتي ستؤدي لاحقًا إلى ارتفاع التضخم، والأهم من ذلك بالنسبة للأسواق، ارتفاع أسعار الفائدة في البنك الاحتياطي الفيدرالي.
إن زيادة الحمائية تعني فرض تعريفات جمركية أمريكية أعلى وخاصة على الصين وأوروبا، والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن هذه التعريفات الجمركية قد تكون مقدمة لنمو عالمي أضعف في عهد “دونالد ترامب”، وهذا السيناريو من شأنه أن يجعل المستثمرين يفضلون الأصول الأقل خطورة بما في ذلك الدولار نفسه، على حساب العملات الأعلى خطورة وخاصة تلك المعرضة بشدة للدورة الاقتصادية العالمية.
وقد تضمن فترة ولاية أخرى لترامب حالة من عدم اليقين الجيوسياسي الأعلى، وهو ما لا يصب في صالح شهية المخاطرة، كما أن الدعم لأوكرانيا ليس مضموناً، ولا يتبنى ترامب وجهة نظر إيجابية بشكل خاص تجاه حلف شمال الأطلسي.
كيف تأثرت أسواق العملات بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
استجابت أسواق العملات إلى حد كبير كما كان متوقعًا مع اتضاح نتائج الانتخابات، حيث ارتفع الدولار الأمريكي مقابل جميع العملات الرئيسية تقريبًا، وكان المحرك الرئيسي لقوة الدولار الأمريكي هو الارتفاع الحاد في عائدات السندات الأمريكية مما جعل الدولار الأمريكي أكثر جاذبية للمستثمرين إلى جانب اليقين المفاجئ بنتائج الانتخابات مما أدى إلى القضاء على فكرة بطء نتائج الانتخابات.
وشهد اليورو تراجعًا حيث ركز المستثمرون على الفوارق في العائد بين المنطقتين، إلى جانب التعريفات الجمركية المحتملة على السلع الأوروبية وزيادة المخاطر الأمنية، وبالمثل، واجه الين الياباني ضغوطًا بسبب المخاوف بشأن اتساع الفارق في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة واليابان على الرغم من وضعه كملاذ آمن.
وكان أداء الجنيه الإسترليني أفضل إلى حد ما من اليورو، مما يعكس عائدات سنداته المماثلة للولايات المتحدة إلى جانب التعرض الأقل لتقلبات الطلب العالمي، وفي الوقت نفسه، انخفض الدولار الأسترالي والدولار النيوزيلندي (وكلاهما مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالطلب الصيني) في البداية ولكنه استعاد بعض الخسائر لاحقًا. وكما كان متوقعا، تؤكد هذه التحركات على حساسية العملات العالمية للسياسات الأميركية المتغيرة وتوقعات السوق، وضعف كل من الدولار الكندي والبيزو المكسيكي حيث فكر المستثمرون في التأثيرات المحتملة لسياسات ترامب على التجارة.
كما تعرضت العملات في وسط وشرق أوروبا للضرب، مدفوعة بالمخاوف بشأن الأمن الأوروبي وعمليات البيع في زوج اليورو / الدولار الأمريكي، كان الفورنت المجري الأسوأ أداء في المنطقة يليه الزلوتي البولندي والكورونا التشيكية.
كما شهدت العملات الآسيوية، وخاصة تلك التي تربطها علاقات تجارية وثيقة مع الصين، انخفاضات حادة، حيث كان البات التايلاندي والرينغيت الماليزي من بين العملات الأكثر تضررا، ومن المرجح أن تكون إحدى العواقب الرئيسية لولاية ترامب الثانية العودة إلى السياسات الحمائية، مع استعداد الأسواق لنمو أضعف في الصين بسبب خطط ترامب لفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية، كما شهد اليوان تحركًا حادًا بسبب السياسات المحتملة لترامب تجاه فرض رسوم جمركية..
ما الذي يدفع ارتفاع الدولار الأمريكي؟
كما توقع الخبراء قبل الانتخابات، فإن الأسواق تنظر إلى ولاية ترامب الثانية على أنها صعودية للدولار الأمريكي، فيما يلي العوامل الرئيسية وراء الارتفاع الأخير للدولار:
1 .ارتفاع عائدات السندات الأمريكية: كانت سياسة أسعار الفائدة بمثابة القوة الدافعة للعملات خلال العامين أو الثلاثة أعوام الماضية، وقد أدى الارتفاع الحاد في العائدات الأمريكية منذ بداية أكتوبر إلى ارتفاع الدولار الأمريكي
2 .دفع ترامب لخفض معدلات الضرائب الأمريكية: من المتوقع أن تعمل التخفيضات الضريبية التي اقترحها ترامب، والتي من المرجح أن يتم تمريرها من خلال الكونجرس الجمهوري، على تعزيز النمو الاقتصادي الأمريكي ودفع التضخم ودفع أسعار الفائدة الفيدرالية إلى الارتفاع مما يجعل الدولار أكثر جاذبية
3 .زيادة الحمائية والتعريفات الجمركية: قد تشير هذه التعريفات الجمركية إلى ضعف النمو العالمي في عهد ترامب، مما يدفع المستثمرين إلى تفضيل الأصول ذات المخاطر المنخفضة مثل الدولار، مع تجنب العملات ذات المخاطر الأعلى وخاصة تلك المرتبطة بالدورة الاقتصادية العالمية.
4 .ارتفاع حالة عدم اليقين الجيوسياسي: قد تؤدي رئاسة ترامب الثانية إلى زيادة عدم اليقين الجيوسياسي، مما يميل إلى تثبيط شهية المخاطرة، إن موقفه من أوكرانيا غير مؤكد، وقد أعرب عن دعم أقل لحلف شمال الأطلسي
مع تطور هذه العوامل، فمن المرجح أن نرى الدولار يحتفظ بقوته، مما يعكس توقعات المستثمرين لتحولات السياسة والتأثيرات الاقتصادية العالمية.
ما الذي يؤثر على قيمة الدولار؟
هناك ستة عوامل أساسية تؤثر على سعر صرف الدولار الأمريكي، وتشمل هذه أشياء مثل الأداء الاقتصادي والعرض والطلب على العملة والتضخم والعوامل الجيوسياسية.
– الحركات في سعر الفائدة الفيدرالية
سعر الفائدة الذي تقرضه البنوك التجارية لبعضها البعض على أساس يومي، إن سعر الفائدة المستهدف يحدده البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للسوق المفتوحة، وهو يعتبر سعر الفائدة الأساسى للسيطرة على المعروض الأمريكي.
وتتطلب القواعد التنظيمية التي تحكم البنوك التجارية فى أمريكا الاحتفاظ بنسبة محددة من إجمالى الأموال المودعة في الاحتياطيات، وهذا بمثابة ضمانة لاستقرار البنك المالي وملاءته المالية.
وفي بيئة متغيرة باستمرار، قد تجد البنوك نفسها في فائض أو نقص فى الاحتياطى اليومى المطلوب، وعندما تعاني من نقص في الاحتياطيات تقترض البنوك بين عشية وضحاها من أقرانها، وعندما تزيد الاحتياطيات تقرض البنوك أقرانها أيضاً.
إن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية يؤثر علي معدلات التضخم وسعر الفائدة قصيرة وطويلة الأجل، فضلاً عن أسعار صرف العملات الأجنبية، ويُستخدم للسيطرة على هذه التكاليف، وكلما ارتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية زادت تكلفة سداد القروض المصرفية أو قروض الإسكان أو الرهن العقاري وبطاقات الائتمان.
بالإضافة إلى التأثير علي أسعار الفائدة الأخري، يعمل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية أيضًا كمعدل فائدة أساسي للتحكم في المعروض من المال داخل الاقتصاد الأمريكي، عندما يكون هناك طلب أعلى على الدولار الأمريكي والذي يحدث غالبًا عندما يكون هناك نقص في المعروض من العملة، تزداد قيمته النقدية.
عندما يرتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، تعمل تكلفة الاقتراض أيضًا على تعزيز ثروة الاقتصاد، ولكنها تساعد أيضًا في إنهاء ارتفاع التضخم.
– الطلب علي العملة
تم استخدام الدولار الأمريكي بشكل أساسي كعملة مربوطة، يحدث هذا عندما تقوم سياسة حكومية بتنفيذ أسعار صرف ثابتة للعملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، بعض الدول التي تستخدم الدولار الأمريكي كوسيلة للتبادل هي الإكوادور وبورتوريكو وزيمبابوي.
إن استخدام الدولار الأمريكي كعملة مهيمنة يزيد من معدلات الطلب عليه، مما يجعله العملة الاحتياطية العالمية حيث تستخدمه معظم الدول للتجارة العالمية للسلع، تقوم البنوك المركزية والمؤسسات المالية الكبرى بتخزين العملات الاحتياطية لاستخدامها في المعاملات العالمية وتقليل المخاطر المرتبطة بأسعار الصرف.
ومع ذلك، على مر السنين، كان هناك تهديد آخر لمكانة الدولار الأمريكى كعملة احتياطية وهو العملات البديلة الأخرى مثل الين اليابانى واليورو والجنيه الإسترلينى، وعلى الرغم من الحصة السوقية الصغيرة لتلك العملات كعملة احتياطية، فإن هذه العملات تأكل ببطء هيمنة الدولار الأمريكي وقد تؤثر سلبًا علي الطلب المستقبلى له.
– التضخم
التضخم هو المعدل الذي تفقد به عملة الاقتصاد قوتها الشرائية بمرور الوقت، من شأن الدولار الأضعف أن يزيد من سعر الواردات مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم، وهذا من شأنه أن يفرض المزيد من الضغوط على الاقتصاد الأميركي، الذي يتعامل حالياً مع ارتفاع التضخم وربما تقييد المستهلكين عن الاقتراض.
تميل الحكومة إلى زيادة سعر هدف الأموال الفيدرالية مما يؤدي لاحقاً إلى ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، وهذا يرفع تكلفة الائتمان مما يزيد من ثروة الاقتصاد مع انخفاض المعروض من النقود، ومع ذلك، فإنه يردع أيضاً المستهلكين والشركات عن الاقتراض، مما يشجعهم على الادخار وكسب فائدة عالية محتملة.
– أداء الاقتصاد الأمريكى
عندما يؤدي الاقتصاد الأمريكي أداءً جيدًا ترتفع قيمة الدولار، لقد أظهر الدولار الأمريكي مرونته عقب جائحة كوفيد 19، حيث عاد إلى مجده السابق مع ارتفاع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة مقارنة بالاقتصادات العالمية الأخرى، غالبًا ما تكون زيادات أسعار الفائدة جذابة للمستثمرين الأجانب لأنها تزيد من الأرباح عند الاستثمار في الدولار الأمريكي.
والعكس صحيح إذا انخفض سعر الدولار الأمريكي بسبب ضعف الأداء الاقتصادي، حيث أن ضعف الدولار الشديد من شأنه أن يؤثر سلبًا علي الاقتصادات العالمية، ومع انخفاض قيمة الدولار الأمريكي ستنخفض قيمة العملات العالمية الأخرى مثل اليوان الصيني واليورو والين الياباني أيضًا لأن نموها الاقتصادي يعتمد بشكل كبير على الصادرات.
– الميزان التجاري
يعد العجز الضخم في الحساب الجاري الأمريكي أحد أكبر التهديدات للدولار الأمريكي، منذ ما يقرب من أربعة عقود مضت، تجاوزت السلع والخدمات الواردة إلي الولايات المتحدة تلك التى يتم تصديرها، وينعكس هذا فى ارتفاع التضخم مما أدى لاحقًا إلى انخفاض قيمة الدولار.
فى عام 2021 زاد عجز الحساب الجاري الأمريكي بنسبة 33.4 % (205.5 مليار دولار) ليصل إلي 821.6 مليار دولار بسبب العجز المتزايد في السلع، كما تقترض الولايات المتحدة من المقرضين الأجانب لتمويل هذا العجز، وقد يكون لهذا تأثير سلبي على قيمة سعر الدولار الأمريكي إذا لم ينجح هذا الزعيم الاقتصادي العالمي في الخروج من الديون.
– عدم الاستقرار السياسي والأحداث غير المتوقعة
عندما يتزايد عدم اليقين الجيوسياسي، يميل المستثمرون إلى نقل ثرواتهم إلى عملات أكثر أمانًا وأقل تقلبًا والتي ستصمد أمام العاصفة بشكل أفضل، هناك العديد من هذه العملات في جميع أنحاء العالم والدولار الأمريكي هو واحد منهم.
لقد أدي الصراع العسكري بين أوكرانيا وروسيا إلى هيمنة الدولار الأمريكي حيث بحث المستثمرون عن ملاذ أكثر أمانًا وسوق ذو سيولة عالية، ولقد رأينا أن الدولار الأمريكي ارتفع بشكل كبير منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
وذلك بعد حالة الضعف التي أصابت الدولار الأمريكي مقارنة بالعملات الرئيسية مثل اليورو والجنيه الإسترليني في العام الأول من جائحة كوفيد 19، تشمل العملات الرئيسية الأخرى الين الياباني والدولار الكندي والكرونا السويدية والفرنك السويسري.